عندما ظهر فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19” في أحد أسواق بيع الطعام بمدينة “ووهان” الصينية ضج محرك البحث الشهير “جوجل” محاولاً الإجابة عن سؤال واحد: “لماذا يأكل الصينيون كل شيء؟”. وهنا ترصد كاتبة صينية أربعة أسباب لهذه الظاهرة.
وتفصيلاً، تقول الصحفية الصينية جيسكا نوفيا في مقال لها على موقع “جولد ثريد 2″، المتخصص في ثقافة الصين: “هناك نكتة عن شعب (الكانتونيين) الصيني، تقول: كل ما هو على أربعة أرجل، وليس مائدة، يمكن للكانتوني أن يأكله. وكذلك كل ما هو بجناحين وليس طائرة، وكل ما يسبح في الماء وليس غواصة”.
وتضيف الكاتبة في محاولات للإجابة عن السؤال الأساسي: أصبح المطبخ الصيني في بقعة الضوء، وكثر الحديث عن مائدة الصيني التي لا تخلو من أي كائنات حية. كان الجميع يؤكد أن الصينيين يأكلون بالفعل “كل شيء”، من لحوم الكلاب إلى الخفافيش.
وتؤكد “نوفيا” أنه بالفعل يحتوي المطبخ الصيني على منتجات حيوانية غير موجودة في مطابخ أخرى حول العالم، لكن الكثير من ذلك يتعلق بالتاريخ والجغرافيا والثقافة.
وتضيف: أتذكر عندما كنت في التاسعة من عمري أن والدي أراد مني أن آكل قطعة من “خيار البحر”، وهو حيوان بحري، لكني رفضت بشدة، وتركت المائدة، وذهبت إلى حجرتي، وأغلقتها عليّ، فقال لي أبي “أنت لست صينية”.
وترصد الكاتبة أربعة أسباب، تجعل الشعب الصيني يبدو وكأنه يأكل “كل شيء”، هي:
الصين هي الأكثر من حيث التنوع الحيواني على الأرض
في الوقت الحاضر يستهلك العالم في الغالب لحم البقر والدجاج ولحم الخنزير، ولكن لم يكن هذا هو الحال من قبل؛ فقبل ظهور الزراعة الصناعية في القرن العشرين كان الإنجليز يبيعون لحم الخيول في الشوارع، وظلوا كذلك حتى ثلاثينيات القرن العشرين، وكان الأمريكيون يأكلون لحوم التماسيح، ولم يكن الصينيون يختلفون عن كل هؤلاء. ولكن مع الزراعة الصناعية بدأ الفلاحون يُنشئون مزارع الدجاج والأبقار والخنازير، وأصبحت هذه هي الخيارات الثلاثة لتناول البروتين؛ فامتنعت الشعوب عن تناول لحم الخيول والتماسيح وغيرها.
ولأن الصين تضم 10 في المائة من أنواع النباتات، و14 في المائة من أنواع الحيوانات في العالم، كان أمام الصيني اختيارات عديدة؛ فاستمر البعض بتناول لحوم حيوانات استغنى العالم عنها.
الطعام جزء من الطب الشعبي الصيني
كما هو حال الأعشاب عند العرب، في الطب الصيني التقليدي لا يوجد فرق بين الغذاء والدواء، حسب القول الصيني المأثور “الغذاء والدواء شيء واحد”.
مثلاً: يعتقد الصينيون أن تناول جلد الحمار يساعد على تحسين الدورة الدموية وعلاج فقر الدم. وإذا كنت تعاني الربو فقد يشجعك طبيب الطب الصيني التقليدي على تناول المزيد من لحم الخفافيش!
وتشمل نصوص الطب الصيني الشعبي أكثر من 1500 نوع من الحيوانات، يمكن استخدامها للأغراض الطبية؛ وبالتالي فإن العديد من الأطباق الصينية الأكثر إثارة للجدل، التي لن يلمسها الغربيون، ليست أطباقًا يومية يضعها المواطن الصيني العادي على طاولة الطعام، بل هي دواء، يُستخدم لعلاج أمراض معينة.
معظم الصينيين لا يتبعون أي دين يضع عليهم قيودًا عند تناول الطعام
تقول “نوفيا”: لدى العديد من أديان العالم إرشادات حول أنواع الطعام، وما يمكن تناوله أو لا يمكن. ففي الإسلام هناك الطعام الحلال، وفي اليهودية كوشير، وهو الطعام الكوثر “الحلال”، حسب الأحكام اليهودية.. لكن في الصين 90٪ من الناس يعرِّفون أنفسهم بأنهم ليسوا على أي دين؛ فالمجتمع بشكل عام ليس لديه محرمات بشأن ما يمكن وما لا يمكن تناوله من الطعام.
الحكومة الصينية تدعم تربية الحيوانات البرية
في عام 1978 بدأت الحكومة الشيوعية تحرير الاقتصاد الصيني، وبدأت في السماح للشركات الخاصة بإنشاء المزارع الصناعية للزراعة وتربية الحيوانات؛ فبدأ منتجو لحم البقر والدجاج ولحم الخنزير في اصطياد الحيوانات البرية وتربيتها، وبدأ صغار المزارعين في تربية الحيوانات البرية، مثل الثعابين والسلاحف. وعندما شعرت الحكومة بأن هذه المزارع الصناعية المزدهرة قد تساعد في إطعام فقراء الناس في المناطق الريفية دعمت هذه المزارع؛ وصدر قانون عام 1988م يشجع على تربية الحيوانات البرية لأغراض مختلفة، بما في ذلك الغذاء.
وعندما أصبحت الصين أكثر ثراء في السنوات الأخيرة قامت الحكومة بمنع استهلاك الحيوانات البرية؛ ففي عام 2016 م تم تعديل القانون؛ ليقصر تربية الحيوانات البرية خصيصًا للبحث العلمي، ومن أجل الحفاظ عليه، ولكن بحلول ذلك الوقت كانت صناعة تربية الحيوانات البرية مزدهرة بالفعل؛ إذ يستخدمها الملايين من الناس، وتُطعم ملايين آخرين.
وتُنهي “نوفيا” متسائلة: رغم كل ذلك هل يأكل الصينيون كل شيء؟ وقد جاءت الإجابة في استطلاع رأي، أجرته وكالة الحفاظ على الحياة البرية في الصين عام 2020، وشمل نحو 10 آلاف شخص، وقال فيه أقل من 1 % من المشاركين إنهم سيستمرون في تناول الحيوانات البرية.